عبد القادر الكاملي يكتب: “هل بدأ عصر الذكاء الاصطناعي العام؟”

كتب آلان تورينغ عام 1950: “يستحق الكمبيوتر لقب ذكي إن استطاع خداع الإنسان وجعله يعتقد أنه إنسان”.

لغاية الأمس لم يتمكن أي ذكاء اصطناعي طوره البشر من اجتياز اختبار تورينغ، إذ اقتصرت جميع تصاميمه على مجالات خاصة، وهو ما يعرف بالذكاء الاصطناعي المحدود أو الضيق (Artificial Narrow Intelligence, ANI)، فهل بدأت تقنيات الذكاء الاصطناعي اليوم بتوفير هذه الإمكانية وبلوغ مرحلة الذكاء الاصطناعي العام (Artificial General Intelligence, AGI)؟

تضمنت أهداف شركة أوبن.أيه.آي (OpenAI) منذ تأسيسها في سان فرانسيسكو عام 2015 تطوير ذكاء اصطناعي عام وآمن، يحاكي الذكاء البشري ويفيد البشرية جمعاء وكان من بين مؤسسيها إيلون ماسك وسام ألتمان.

في شهر نوفمبر 2022، أطلقت شركة أوبن.أيه.آي (OpenAI) روبوت محادثة مزود بالجيل الثالث من تقنية جي.بي.تي (GPT-3)، التي ترتكز على الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI) القادر على إنشاء محتويات جديدة، بدلاً من الاكتفاء بتحليل البيانات والتصرف وفقاً لنتائجها. يستطيع هذا الروبوت التحادثي الإجابة على أسئلة البشر وإنشاء النصوص والمقالات وكتابة رموز البرمجيات وتأليف الشعر وكلمات الأغاني، وكل ذلك بطريقة تشبه ظاهرياً ما يقوم به البشر، ويتيح التعامل معه بعدة لغات منها الإنجليزية والعربية.
نال روبوت المحادثة هذا (تشات جي.بي.تي) إشادة واسعة وصلت إلى حد رأى بعض الكتّاب مثل أليكس هيرن المحرر التقني في صحيفة الغارديان، أنه سيؤدي إلى جعل الأساتذة والمبرمجين والصحفيين عاطلين عن العمل خلال سنوات قليلة، بسبب قدراته الفائقة في الكتابة والتأليف والاجابة على الأسئلة. دفع تشات جي.بي.تي بعض الجامعات الأسترالية للعودة إلى اختبارات “القلم والورق”، لتقييم الطلاب بعد أن باتت هذه التقنية المبتكرة قادرة على الإجابة على الأسئلة وكتابة مقالات وأوراق بحثية يصعب تمييزها عما يكتبه الإنسان. وأصدرت المدارس التابعة لإدارة التعليم بمدينة نيويورك، وكذلك المدارس التابعة لنظام سياتل للمدارس العامة في الولايات المتحدة، أمراً بحظر الطلاب والمعلمين من استخدام تشات جي.بي.تي لمنع الانتحال والغش.
علق سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة أوبن.أيه.آي على ذلك بقوله: “سمعنا عن المعلمين الذين يشعرون بالتوتر الشديد حول تأثير تشات جي.بي.تي على أشياء مثل الواجبات المنزلية للطلاب، لكننا سمعنا أيضاً من يقول إن روبوت المحادثة هذا يمكن أن يكون معلماً شخصياً لا يصدق لكل طالب”.
وأضاف ألتمان: “نحتاج جميعاً للتكيف مع النصوص التي يألفها الذكاء الاصطناعي. لقد سبق لنا أن تكيفنا مع الآلات الحاسبة في فصول الرياضيات. ولا شك أن النسخة الجديدة من التطور التكنولوجي أكثر تطرفاً من ذلك، ولكن فوائدها أكثر تطرفاً أيضاً”.

اهتمام كبير من قبل مايكروسوفت
سبق لمايكروسوفت أن استثمرت مليار دولار في شركة أوبن.أيه.آي. تشير الأنباء الآن إلى أنها تخطط لاستثمار 10 مليارات دولار إضافية في هذه الشركة بهدف دمج قدرات تشات جي.بي.تي في المحادثات التفاعلية ضمن محرك البحث بينغ الذي تعكف حالياً على تحديثه، ما قد يمثل تهديداً جدياً لريادة محرك بحث غوغل.

مخاوف غوغل
وفق صحيفة نيويورك تايمز، عبر متحدث باسم غوغل عن قلقه من أن روبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي مثل تشات جي.بي.تي يمكنها أن تقوض صناعة البحث على الإنترنت بأكملها، وسيكون لها تأثير سلبي على صناعة الإعلانات، التي هي مصدر دخل محرك بحث غوغل الرئيسي. ومع الأخذ في الاعتبار خطورة هذا التهديد، يعمل المدير التنفيذي لشركة غوغل والفابيت، سوندارا راجان بيتشاي الآن بنشاط على تطوير استراتيجية جديدة للذكاء الاصطناعي للشركة، تمثلت بوادرها عن إطلاق روبوت محادثة خاص بها باسم “بارد”، كمنافس لتشات جي.بي.تي.

قياس مستوى ذكاء تشات جي.بي.تي
لاختبار ذلك، طرحت عليه السؤال التالي باللغتين العربية والإنجليزية وبصيغ مختلفة: كم مرة يوجد الرقم 9 ضمن الأرقام الواقعة بين 1 و100؟ وللأسف كانت إجاباته خاطئة في كل مرة ولم يتمكن من ذكر الإجابة الصحيحة وهي 20.
طرحت السؤال نفسه على محرك البحث غوغل فأعطاني إجابة صحيحة مباشرة عندما كان السؤال باللغة الإنجليزية، فيما عرض لي مواقع عديدة يتضمن معظمها إجابات خاطئة، عندما طرحت السؤال باللغة العربية.
ووفقاً لتجارب أجراها بعض الخبراء وذكرها موقع www.realcleareducation.com سجل تشات جي.بي.تي في اختبارات الذكاء 83 وهي علامة تقل عن متوسط الذكاء البشري الذي يقع بين 90 و110. وسجل في اختبارات السات (SAT) الخاصة بالقبول في الجامعات الأمريكية 1020، وهي علامة أقل من المتوسط البالغ 1050 نقطة.

دقة المصادر وحداثتها
سألت ربوت المحادثة تشات جي.بي.تي: “كم بلغ عدد مستخدمي الإنترنت في العالم عام 2022 مع ذكر المصدر؟” فلم يتمكن من إعطائي معلومات سوى لعام 2021، مع العلم أن معلومات عام 2022 متوفرة في موقع الاتحاد الدولي للاتصالات الذي يقدرها بنحو 5.3 مليار مستخدم.
سألته أيضاً: “من هو أغنى إنسان في العالم عام 2022 مع ذكر المصدر؟”
أجاب: “أنا آسف، بيانات التدريب الخاصة بي تصل فقط إلى عام 2021 ولا يمكنني الوصول إلى المعلومات الحالية”.
طرحت الأسئلة السابقة باللغة الإنجليزية وترجمت الإجابات إلى اللغة العربية. أما عندما طرحت الأسئلة ذاتها باللغة العربية، فمعظم الإجابات التي جاءتني كانت خاطئة ولا يعول عليها.

مستقبل الذكاء الاصطناعي التوليدي
لا يقتصر الذكاء الاصطناعي التوليدي على إنشاء النصوص فقط كما هو الحال مع نموذج تشات جي.بي.تي، إذ سبق ذلك إنشاء الصور والصوت وتأليف الموسيقى، فيما يجري العمل حالياً على تمكينه من إنشاء الفيديو.
تتوقع شركة بولاريس لأبحاث السوق (Polaris) أن يرتفع حجم السوق العالمي لمنتجات الذكاء الاصطناعي التوليدي من 10.63 مليار دولار أمريكي عام 2022 إلى 200.73 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2032، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 34.2 بالمئة.
وتشير البيانات التي أصدرتها شركة بتش بوك (PitchBook)، التي تتعقب الأنشطة المالية عبر الصناعة، إلى أن المستثمرين ضخوا عام 2022، ما لا يقل عن 1.37 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي التوليدي تقريباً، وهو مبلغ يعادل قيمة الاستثمارات في هذا المجال خلال السنوات الخمس الماضية مجتمعة.
تتوقع شركة غارتنر للأبحاث (Gartner)، أن تستخدم 30 بالمئة من الشركات الصناعية، الذكاء الاصطناعي التوليدي لتعزيز كفاءة تطوير منتجاتها بحلول عام 2027.

أخيراً: هل تمكن ذكاء تشات جي.بي.تي التوليدي من بلوغ مرحلة الذكاء الاصطناعي العام الشبيه بذكاء البشر؟
يجيب سام ألتمان قائلاً: “ما طورناه ليس ذكاءً اصطناعياً عاماً، ولكنني أعتقد أننا وصلنا إلى نقطة بات معها الناس مقتنعين أن الوصول إلى هذا الهدف أصبح ممكناً”. وأضاف “أعتقد أن بإمكاننا الوصول إلى الذكاء الاصطناعي العام في العقد القادم”.

بقلم: عبد القادر الكاملي – مستشار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات

About Author