“روساتوم” تبدأ ببناء وحدة طاقة مجهزة بمفاعل سريع النيوترونات في مدينة سيفيرسك

انطلقت في المصنع السيبيري للكيماويات التابع لشركة “تفيل” للوقود التي تدخل ضمن مؤسسة “روساتوم” الحكومية للطاقة النووية والواقع في مدينة سيفيرسك بمقاطعة تومسك، أعمال إنشاء وحدة لتوليد الطاقة النووية مجهزة بمفاعل “بريست-أو دي-300” (BREST-OD-300) المبتكر العامل بالنيوترونات السريعة.
وجرت مراسم صب “الخرسانة الأولى” في لوح الأساس لهذا المفاعل الفريد يوم 8 يونيو بحضور سيرغي جفاتشكين محافظ مقاطعة تومسك، و أليكسي ليخاتشيف المدير العام لمؤسسة “روساتوم” الحكومية الروسية للطاقة النووية، و ميخائيل كوفالتشوك رئيس “معهد كورشاتوف” للبحوث العلمية ومسؤولون آخرون. في حين بعث كل من ألكسندر سيرغييف رئيس الأكاديمية الروسية للعلوم ورافائيل غروسي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية و ويليام ماغوود المدير العام لوكالة الطاقة النووية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (NEA) تحياتهم عبر الفيديو. وأقيمت المراسم في إطار فعاليات عام العلوم والتكنولوجية الذي قد أُعلن عنه في مرسوم أصدره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ويقضي باعتبار عام 2021 عاما للعلوم والتكنولوجيا في روسيا.
ويستخدم المفاعل الجديد المبرد بالرصاص وقود نتريد اليورانيوم والبلوتونيوم المختلط (وقود MUPN)، وهو نوع جديد من الوقود النووي يعد الأمثل لفئة المفاعلات سريعة النيوترونات، وستبلغ القدرة المركبة للمفاعل 300 ميجاوات. وسيصبح المفاعل جزءا من منشأة ذات أهمية قصوى بالنسبة للصناعة النووية العالمية وهو مجمع الطاقة التجريبي (PDEC) الذي يعد منصة لتطوير التقنيات النووية المستقبلية وستضم ثلاثة مافق مترابطة لا مثيل لها في العالم، وهي مصنع إنتاج وقود MUPN (الإنتاج/إعادة المعالجة)، ووحدة الطاقة “بريست-أو دي-300” ومصنع إعادة معالجة الوقود النووي المشع. وهكذا، ولأول مرة في تاريخ صناعة الطاقة النووية العالمية سيتم إنشاء محطات للطاقة النووية مجهزة بمفاعل سريع، ومرفق سيكون عبارة عن دورة وقود نووي مغلقة في الموقع نفسه. وسيخضع الوقود النووي المشع بعد معالجته لعملية إعادة الإنتاج للحصول على وقود طازج منه. وتدريجيا سيعمل هذا النظام (الإنتاج/إعادة المعالجة) بطريقة مكتفية ذاتيا حتى يصبح مستقلا تقريبا عن إمدادات موارد الطاقة من خارج المجمع.
وقال أليكسي ليخاتشيوف، المدير العام لشركة “روساتوم”: “ستصبح قاعدة الموارد المستخدمة في صناعة الطاقة النووية لا تنضب تقريبا بفضل إعادة معالجة الوقود النووي المستهلك مرات لا حصر لها. وبهذه الطريقة ستُحل مشكلة تراكم الوقود النووي المستهلك للأجيال القادمة. سيتيح التنفيذ الناجح لهذا المشروع لروسيا أن تصبح أول دولة في العالم تمتلك تكنولوجيا نووية تلبي تماما مبادئ التنمية المستدامة إذ تكون صديقة للبيئة ومتوفرة وموثوقة وفعالة من حيث كفاءة استخدام الموارد. ونؤكد اليوم مجددا سمعتنا كشركة رائدة تأتي في طليعة التقدم العالمي في مجال التقنيات النووية حيث نقدم حلولا فريدة للبشرية بهدف تحسين حياة الناس”.
وأضاف فياتشيسلاف بيرشوكوف، رئيس مشروع “الاختراق”، الممثل الخاص للمشاريع الدولية والعلمية والتقنية لمؤسسة “روساتوم”، أن تصميم المفاعل المبرد بالرصاص “بريست أو دي-300″ يعتمد على مبادئ ما يسمى بـ”السلامة الطبيعية”. وقال: “بفضل ميزات المفاعل تمكننا من التخلي عن جهاز “الماسك الأساسي” وتقيض عدد عناصر نظم الدعم وكذلك خفض فئة الأمان للمعدات الخارجية للمفاعل. يتيح التصميم المتكامل للمفاعل طريقة عمله استبعاد حدوث الحوادث التي تتطلب إخلاء السكان (العائشين في المناطق المحيطة). وفي المستقبل، نتوقع أن تساعد مفاعلات كهذه في جعل إنتاج الطاقة النووية كثر أمانا وأكثر تنافسية من الناحية الاقتصادية بالمقارنة مع إنتاج الطاقة في المحطات الحرارية الأكثر كفاءة (وتحديدا في محطات الطاقة الغازية البخارية المختلطة).
ويعتقد يفغيني أداموف، المشرف العلمي لـ”معهد دوليجال للبحث العلمي والتصميم لهندسة الطاقة التابع لمؤسسة “روساتوم” (NIKIET) المشرف العلمي لمشروع “الاختراق”، أن المشروع يمكن مقارنته بالبرنامج النووي للاتحاد السوفيتي من حيث كيفية تنظيم العمل. وأشار يفغيني أداموف إلى أن “مجلس التنسيق يرأسه أليكسي ليخاتشيوف المدير العام لمؤسسة “روساتوم” بينما يتولى نائبه الأول ألكسندر لوكشين دور مشرف المشروع”. وأضاف: “وتم إنشاء مراكز خاصة في المؤسسات الرئيسية للمشروع بغية توحيد المختصين العاملين ضمنه. لقد وضعنا خريطة طريق واضحة تنظم العمل بالمشروع وترتب العديد من العمليات بدءا من إجراء أبحاث علمية شاملة وتصميم وتصنيع المعدات ووصولا إلى تصميم وإنشاء وإدخال مرافق ODEK في الخدمة. ومن المخطط أن يبدأ تشغيل مفاعل “بريست أو دي-300″ في عام 2026. ونسعى إلى تشغيل مجمع إنتاج الوقود بحلول عام 2023 ونخطط للشروع في بناء وحدة إعادة معالجة الوقود المستهلك بحلول عام 2024”.
وقالت ناتاليا نيكيبيلوفا رئيسة شركة “تفيل” للوقود التابعة لمؤسسة “روساتوم”: “يشمل تنفيذ مشروع “الاختراق” إنشاء ليس مفاعلات نووية مبتكرة بحسب، بل أيضا جيل جديد من تكنولوجيا دورة الوقود النووي. وهذا يعني أولا إنتاج وقود النتريد الكثيف MUPN الذي سيضمن التشغيل الفعال للمفاعل السريع المبرد بالرصاص وسيتكون بالكامل من مواد نووية معاد تدويرها مثل البلوتونيوم واليورانيوم المستنفد. وثانيا، تبني تقنيات كيميائية إشعاعية أكثر كفاءة وجاذبية من الناحية الاقتصادية لمعالجة الوقود المشع وإدارة النفايات. وهذه التقنيات هي التي ستجعل صناعة الطاقة النووية في المستقبل قابلة للتجديد فعليا وخالية من النفايات عمليا في سلسلة الإنتاج”.
تعليقا على المشروع أوضح “ستيفانوا مونتي” رئيس قسم تطوير تكنولوجيا الطاقة النووية في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، : “العديد من الدول حاولت تصميم مفاعل سريع النيوترونات بمبرد من الرصاص، ولكن هذه هى المرة الأولى التى نرى فيها تحقيق ونجاح روسيا فى تصميمه حيث يعتبر خطوة مهمة لها مزايا كثيرة منها ان الرصاص لا يتفاعل مع الماء والهواء كيميائيًا مع وجود مزايا تخدم عوامل الامان والسلامة المقننة فى جميع الدول، وأيضا يتسم بتبسيط تصميم المفاعل وجعل المفاعل مضغوضًا أكثر، مما يعنى اعتباره منافسًا اقتصاديًا مع محطات الطاقة النووية الاخرى وايضا مع مصادر الطاقة النظيفة” وأضاف: “انه مفاعل يعمل بدورة وقود مغلقة، حيث ان الوقود المستهلك تتم معالجته واعادة تديره مرات عديدة ويتم استخدام الطاقة المسحوبة للوقود باستمرار وهذا يدل على وقود موارد طبيعية تستمر لآلاف السنين، مما يجعل الطاقة النووية طاقة متجددة بشكل كبير من الاستدامة”

وتقتضي استراتيجية تطوير قطاع الطاقة النووية في روسيا على تبني نهج مزدوج يتيح الدمج بين المفاعلات الحرارية النيوترونية والمفاعلات السريعة ودورة وقود نووي مغلقة. ويجري العمل على تشييد مجمع الطاقة التجريبي في إطار المشروع الاستراتيجي “بروريف” (الاختراق) أطلقته مؤسسة “روساتوم” الحكومية الروسية للطاقة النووية. ويهدف المشروع إلى إنشاء منصة تكنولوجية جديدة لقطاع الطاقة النووية في روسيا تقضي باعتماد تقنيات إعادة تدوير المواد النووية على نطاق واسع. وسيتيح ذلك ضرب عصفورين بحجر واحد، أي توسيع قاعدة المواد الخام لصناعة الطاقة النووية عدة مرات وحل المشاكل المتعلقة بتراكم الوقود المستهلك والنفايات النووية لأن هذا النهج يتيح إعادة استخدام المنتجات التي تم الحصول عليها نتيجة إعادة معالجة الوقود النووي المستهلك بدلا من تخزينها بالإضافة إلى تقليص حجم النفايات النووية المنتجة وتخفيض النشاط الإشعاعي لهذه النفايات.
تكمن ميزة المفاعلات السريعة في قدرتها على استخدام المنتجات الثانوية لدورة الوقود النووي بكفاءة (خاصة البلوتونيوم) لإنتاج الطاقة. ولكونها تتسم بسرعة عالية لتوليد مواد انشطارية يمكن للمفاعلات السريعة أن تنتج وأكبر قدر من الوقود المستقبلي مما تستهلكه، بالإضافة إلى قدرتها على “إحراق” العناصر عناصر كيميائية مشعة تقع بعد اليورانيوم في الجدول الدوري (الأكتينيدات). وسيزود مفاعل “بريست أو دي-300” نفسه بالمكون الرئيسي للوقود النووي وهو نظير البلوتونيوم- 239 من خلال توليده من نظير اليورانيوم-238 الذي تبلغ نسبة احتوائه في خام اليورانيوم الطبيعي أكثر من 99%. وحاليا يُستخدم اليورانيوم-235 في المفاعلات الحرارية لإنتاج الطاقة والذي يبلغ محتواه في الطبيعة حوالي 0.7%. ومن المتوقع أن يؤدي تطبيق مثل هذه التقنيات إلى زيادة كفاءة استخدام اليورانيوم الطبيعي.