الدكتورة غادة عامر تكتب: “دور التكنولوجيا في الحرب الروسية الأوكرانية”

إن غزو روسيا لأوكرانيا سيكون أول من أدخل خطًا أماميًا جديدًا -بشكل صريح- لتكنولوجيا الحروب اللامتماثلة. فقد شهدنا في الأيام القليلة الماضية حربًا ذكية مصحوبة بمعركة جيدة التنظيم في النظام البيئي للمعلومات وباستخدام تقنيات حديثة.

حيث تكون الذخيرة عبارة عن معلومات مضللة تقوض الحقيقة وتزرع بذور الفتنة وانعدام الثقة، أو طيف كهرومغناطيسي يؤثر على البشر والأجهزة.

لقد بدأت الاتحاد السوفيتي التجسس على شبكات الكمبيوتر في الثمانينيات من القرن الماضي، بعد تمويل عدد كبير من أبحاث وتكنولوجيا الدفاع،

مستندة في جهودها السيبرانية إلى إرث يمتد لعقود طويلة من استخبارات التنصت وتكنولوجيا الاتصالات، والتجسس، وعمليات التأثير. إن الأب الروحي للأساليب غير التقليدية هو الجنرال “فاليري جيراسيموف” قائد القوات المسلحة الروسية،

ففي مقال نُشر له عام 2013م بعنوان “قيمة العلم في التبصر” في صحيفة التجارة الروسية الأسبوعية كتب: “في القرن الحادي والعشرين، رأينا اتجاهًا نحو طمس الخطوط الفاصلة بين حالتي الحرب والسلام. فلم يعد يتم الإعلان عن الحروب،

وبعد أن تبدأت تستمر وفقًا لنموذج غير مألوف”. وأشار إلى أن الدولة المزدهرة “في غضون أشهر وحتى أيام يمكن أن تتحول إلى ساحة نضال مسلح شرس، وتصبح ضحية للتدخل الأجنبي، وتغرق في هاوية الفوضى والكارثة الإنسانية والحرب الأهلية”.

أيضا قال “مارك جاليوتي” الأستاذ الجامعي البريطاني مارك والخبير في الشؤون الروسية: “أن الأساليب الروسية تنطوي على مزيج من نوعين من الحرب اللامتماثلة. الأول ينطوي على إدراك “أن التقنيات الحديثة تعني أنه من المرجح أن تسبق حرب بداية الحرب.

وربما حتى تقريبًا قبل مرحلة عدم الاستقرار السياسي”. الشكل الثاني هو صراع أقل من الحرب الفعلية، حيث تسعى روسيا إلى تقسيم الدولة المستهدفة وإحباط معنويات شعبها وتشتيت انتباهه حتى لا يتمكن من إيقاف محاولة روسيا لتحقيق النصر”.

إن الحرب غير المتكافئة التي شنت في شرق أوكرانيا هي في مجملها صراع باستخدام أدوات تكنولوجية متقدمة. حيث تواجه أوكرانيا خصمًا حازمًا وقادرًا، يتمتع بمهارات عالية في استخدام أدوات حرب المعلومات قديما.

والان استخدام التكنولوجيا المتطورة كجزء من تكتيكات التدابير الفعالة لإنهاك الخصم بأقل تكلفة لتعزيز أهدافها الاستراتيجية. فتستخدم الحكومة الروسية تقنيات المعلومات والاتصالات للتأثير على موارد ومعلومات الدولة المستهدفة وإلحاق الضرر بأنظمة الاتصالات بها.

ويشمل ذلك الترويج للمعلومات المضللة، خاصة مع استخدام تقنية التزييف العميق لإنتاج مقاطع فيديو مزيفة -واقعية للغاية- تم إنشاؤها باستخدام الذكاء الاصطناعي، أو استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل الكم الهائل من المعلومات الاستخبارية مفتوحة المصدر بدءًا من مقاطع فيديو TikTok ومنشورات Telegram التي تم تحميلها من قبل الأوكرانيين العاديين، إلى صور الأقمار الصناعية المتاحة.

وذلك بهدف تشويه الواقع لإرباك السكان المدنيين وزعزعت استقرارهم، وإحباط معنوياتهم. حيث يمكن أن تؤدي المعلومات المضللة، إلى إحداث تأثير “الصدمة والرعب” بشكل كبير، مما يؤدي إلى إضعاف استعداد الخصم للقتال.

وكذلك يؤدي إلى تشويه تصور المدنيين للنزاع وفهمهم له. كذلك استخدمت روسيا الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تحليل بيانات ساحة المعركة، بما في ذلك لقطات المراقبة من الطائرات بدون طيار.

كذلك تمتلك روسيا خبرة قتالية لاستخدام الطائرات بدون طيار بشكل فعال في العمليات القتالية. أصبح التفوق التكنولوجي الروسي حاليًا جبهة غير قابلة لردعها من قبل أوكرانيا حيث تخوض حربًا لا متماثلة غير تقليدية إلى جانب الحرب التقليدية على أراضي شرق أوكرانيا.

إن ما شن على أوكرانيا لم يكن حرب بالطريقة التقليدية وإنما هجوم بطرق غير تقليدية قوض قوة الدولة وهزمها قبل البدء بالعمليات التقليدية.

فقبل عدة ساعات من إطلاق الصواريخ أو حركة الدبابات في 24 فبراير الماضي، اكتشف مركز معلومات التهديدات التابع لشركة Microsoft (MSTIC) جولة جديدة من الهجمات الإلكترونية الهجومية والمدمرة الموجهة ضد البنية التحتية الرقمية لأوكرانيا.

أبلغت شركة مايكروسفت الحكومة الأوكرانية على الفور بشأن الموقف، بما في ذلك تحديد لحزمة برامج ضارة جديدة تم استخدامها (أطلق عليها اسم FoxBlade). في الأيام الأخيرة.

قدمت أيضا الشركة ​​معلومات استخباراتية عن التهديدات واقتراحات دفاعية إلى الأوكرانيين بشأن الهجمات على مجموعة من الأهداف، بما في ذلك المؤسسات العسكرية والمصانع الأوكرانية والعديد من الوكالات الحكومية الأخرى.

كذلك قدمت تقريرا بشأن الهجمات الإلكترونية الأخيرة على الأهداف الرقمية المدنية الأوكرانية، بما في ذلك القطاع المالي، والقطاع الزراعي، وخدمات الاستجابة للطوارئ، وجهود المساعدات الإنسانية، ومنظمات ومؤسسات قطاع الطاقة.

كذلك أكدوا للحكومة الأوكرانية عن المحاولات السيبرانية الأخيرة الكثيرة لسرقة مجموعة واسعة من البيانات، بما في ذلك معلومات التعريف الشخصية المتعلقة بالصحة والتأمين والنقل، بالإضافة إلى مجموعات البيانات الحكومية الأخرى.

منذ الأزمة الأوكرانية السابقة في العام 2014م وتدخل موسكو في سوريا، تمكنت الدول الغربية من تكوين فكرة أوضح عن القدرات الهجومية للأنظمة التكنولوجية والعقائد الروسية فيما يتعلق بالحرب اللامتماثلة (الغير نمطية).

فقد كان الروس قادرين على رؤية التأثيرات التي يمكن أن يحدثوها بوسائلهم الخاصة، مثل: التشويش على إشارات GPS ، والهواتف المحمولة، وروابط البيانات من الطائرات بدون طيار، والرادارات، ووصلات الراديو، والأقمار الصناعية، والأنظمة الأرضية / الجوية، إلخ.

هذا الأمر أثار قلق وزارة الدفاع الأمريكية  (DoD) بدرجة كبيرة، جعلها تقدم تقرير مفاده إن روسيا والصين تظهران كفاءة كبيرة في مجال الحرب اللامتماثلة.

وينسب التقرير الى محللين في وزارة الدفاع الأميركية الى أن الولايات المتحدة تخاطر بفقدان السيطرة على ساحة المعركة إذا لم تتحكم مثلا في مثل أسلحة الطيف الكهرومغناطيسي.  ويذكر التقرير أنه لو استخدمت روسيا الإمكانات التكنولوجية الكاملة لها سوف يكون لديها ميزات تضمن النصر لها بأقل تكلفة وبسرعة، لأن التكنولوجيا سوف تمنحها الوصول إلى جميع المعلومات من كل وسائل الاتصال، ما سيسمح لها بمعرفة جميع الوسائل المستخدمة والمنتشرة، ولتحديد المواقع التقريبية والإنذار المبكر.

لذلك فهي سوف تعرف تمامًا توازن القوى ونقاط القوة ونقاط الضعف في النظام المستهدف. أيضا يمكن أن تتسبب في الحرمان من وسائل الملاحة عبر الأقمار الصناعية (GNSS مصطلح يشير إلى النظام الستلايت الدولي متعدد الأبراج) وهذا يضر بشكل مباشر الأسلحة الموجهة مثل الصواريخ والقنابل والذخائر الذكية، ما يصعب بشكل كبير حركة القوات (البرية والجوية والبحرية).

أيضا، سيكون للحرمان من كل أو جزء من وسائل الاتصال عواقب وخيمة جدًا على سير العمليات.  فإن عدم تبادل المعلومات من القوات في الميدان، وبدون تحليل استخباراتي، لن يكون من الممكن رسم موقف عملياتي.

وبالتالي تكون الصورة ضبابية لدى الطرف المستهدف، هذا ليس فقط ممكن أن يؤدي إلى الحرمان من الرؤية التكتيكية، ولكن لإعطاء صورة خاطئة عن الوضع بأكمله.

كذلك إن الحرمان من وسائل تحديد الهوية مثل(منظومة تحديد هوية الطائرات على منظومة الرادارات IFF) لتحديد هوية الصديق أو العدو، يعني أنه لم يعد من الممكن التعرف على الوحدات على وجه اليقين.

وهذا ممكن أن يتسبب في اشتباك القوات المتحالفة مع بعضها البعض أو إسقاط إحدى طائراتهم عن طريق الخطأ.  أخيرا إن الحرمان من كل أو جزء من وسائل الكشف بعيدة المدى وكذلك مع وجود أنظمة تشويش الطائرات والسفن والأنظمة الأرضية / الجوية، ورادارات المراقبة، إلخ، يجعل الدولة المستهدفة بلا حول ولا قوة.

لأنه يعني فقدان قدرات الاكتشاف، وبالتالي فقدان القدرة على التنبيه والاضطرار إلى الخضوع لمفاجأة استراتيجية أو تكتيكية دون القدرة على الرد لأن عددًا من أنظمة الأسلحة سيتم تحييدها أيضًا.

فأهلا بكم في حروب المستقبل، أهلا بكم في الحروب اللامتماثلة، حروب العصر التي تحسمها التكنولوجيا والعلم والبحث العلمي الصحيح!

 

بقلم: أ.د/ غادة محمد عامر

وكيل كلية الهندسة للدراسات العليا والبحوث – جامعة بنها

زميل ومحاضر كلية الدفاع الوطني – أكاديمية ناصر العسكرية العليا

About Author