دائمًا عندما يتعلق أمرٌ ما بالأطفال، فإننا نطمح إلى بذل المزيد من الجهود، ولا ينبغي أن ننظر أبدًا بعين الرضا لما هو محقق.
فكما نعلم، أطفال اليوم هم المستقبل، والمستقبل “رقمي”، يعتمد بشكلٍ كبير على “الإنترنت” وجودته وتوفير خدماته بسعرٍ في متناول جميع الفئات، وتسهيل النفاذ إليه في كل مكان.. وهي أمورٌ تهتم بها الحكومات وتحرص عليها ولا تدخر جهدًا أو إنفاقًا لتوفيرها لمواطنيها.
فالإنترنت يعد بمثابة البنية التحتية لكافة الخدمات التي تقدمها الحكومات ولا يحيا المواطنون بدونها.. مثل التعليم والصحة والخدمات البنكية واستخراج التصاريح والأرواق الرسمية، فضلًا عن المعاملات التجارية بأنواعها. فلا نبالغ حين نقول إنه لا يمر يومٌ على أيٍ منا دون استخدام الإنترنت لضرورةٍ أو رفاهية.
هذا الواقع الرقمي، بما يقدمه من تيسيرٍ لأمورٍ كثيرة، وحلول أوفر في التكلفة وأكثر عملية لمشكلاتٍ واجهناها جميعًا لاسيما في أزمة وباء كورونا، إلا أن هذا الواقع له وجهٌ آخر من التحديات علينا ليس فقط مواجهتها، بل أيضًا التعامل معها بشكلٍ استباقي إذا ما نظرنا بعين الاعتبار لسرعة تطور التكنولوجيا التي أصبحت تفوق التوقعات في كثير من الأحيان.
لذا لا تتوانى الحكومات عن تأمين شبكاتها والحفاظ على سرية معلوماتها، لأنها تدرك أن البيانات والمعلومات هي بترول القرن الواحد والعشرين.
ولذا نرى ونلمس سعي جميع الدول إلى امتلاك أدوات العالم الجديد من تقنيات الثورة الصناعية الرابعة مثل الذكاء الاصطناعي وسلاسل الكتل والواقع الافتراضي والواقع المعزز، وهي كلها مصطلحات أصبحت تألفها مسامعنا وإن لم تستوعبها أذهاننا بشكلٍ كافٍ.
لكننا ندرك بشكل ما أننا نعيش حياةً تتحكم الآلة في جزء منها، والأكيد أن هذا الجزء سيزيد بمرور الوقت.
وإذ كنا في الماضي القريب نقول إن العالم أصبح قريةً صغيرة، بفضلِ المسافات التي اختصرتها الإنترنت، فنحن الآن نعيش في عالمٍ تتلاشى فيه الحدود بين الحياة الواقعية والافتراضية.
وأول المتأثرين بذلك هم أطفال اليوم الذين نشأوا في بيئة رقمية، يستخدمون الهواتف الذكية في عمرٍ مبكرة، ويتعرضون لخبراتٍ لم يكن يتعرض لها أطفال الأمس. كل هذا يجعل أطفال القرن الواحد والعشرين لهم أفكارٌ وقيمٌ ومدركات، لم يرثوها عن آبائهم أو يكتسبوها من المحيطين بهم فحسب.
بل يشترك في تكوينها ما يتعرضون له من أفكارٍ وقيم، من خلال المحتوى الذي يشاهدونه في الألعاب الإليكترونية التي يمارسونها يوميًا والإعلانات المصاحبة لها والأنساق الفكرية التي يتم الترويج لها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
ربما يبدو الأمر مخيفًا للبعض، لكن البشرى أن هناك جانبًا مضيئاً في هذا الواقع الجديد، فهو يعطي لأجيال الغد فرصًا كثيرة لم تكن متاحة من ذي قبل.
فأبواب المعارف والعلوم مفتوحة على مصراعيها، تليها أبوابٌ من فرص العمل والتميز، تُفتح فقط لمن يتقن استخدام أدوات المعرفة الجديدة.
هذا الجانب المضيء، لن يتأتى دون الوعي به، وإدراك ضرورة توفير البيئة الرقمية الآمنة لأطفالنا، التي تضمن لهم الحصول على إيجابيات العالم الرقمي وتحميهم من مخاطره. وهي مسؤولية مشتركة، ذات جوانب عدة، في البيت والمدرسة ودار العبادة وبالطبع في المجالس التشريعية والهيئات التنفيذية، وكذا الهيئات والمنظمات الدولية. فكل ما سبق له دورٌ في رفع الوعي بالفرص والتحديات والمخاطر على حد سواء.
ولكي تؤتي الجهود المبذولة أُكُلها، فإن هذه المسؤولية ينبغي أن تكون منظمة ومخططة بشكلٍ دقيق من خلال استراتيجيات وطنية للحكومات تتبناها أجهزة الدولة المختلفة وتنعكس في أنشطتها، ويتم متابعتها ومراجعتها بشكلٍ دوري حتى تظل مواكبةً للتطور التكنولوجي السريع، ولا يجوز أن تقتصر الجهود على مجرد الاستياء أو الحزن على ضحايا حوادث الاستغلال والتشهير والتنمر الإليكتروني التي أصبحنا نشهدها كثيرًا بين الأطفال، الذين يلجأون أحياناً للأسف إلى التخلص من حياتهم بسبب هذه الحوادث.
ومن هنا تأتي أهمية المبادرات الدولية التي من بينها مبادرة “اليوم العالمي للإنترنت الآمن” والذي يحتفل العالم به اليوم (الثلاثاء الثاني من شهر فبراير). وهي مبادرة تحث دول العالم على إقامة فعاليات تحت شعار “معاً من أجل إنترنت أفضل” تهدف إلى رفع الوعي بمخاطر الاستخدام غير المسؤول للإنترنت، وفي المقابل مناقشة سبل تنمية الفرص التي يتيحها الإنترنت بحيث يكون أفقًا أرحب للمعرفة وتبادل الخبرات بشكل آمن، لاسيما لأطفالنا الذين نسعى دائمًا أن يكونوا في أمان.
بقلم : يمنى عمران:
خبيرة في مجال أمن الانترنت
More Stories
شخصيات ثقافية بارزة تحتفل باليوم العالمي للفن الإسلامي
“صور”| إقبال كبير على جناح “البريد المصري” في معرض “Cairo ICT 2024”
أربعة توصيات تعزز مستقبل دعم مبادرة الهيدروجين في مصر وتطوير تقنياتها.. خلال ندوة مجلس (ECFA)